كسرة الخبز..
تهدد استقرار حكومات عربية
تشهد عدد من الدول العربية حاليا أزمة طاحنة في رغيف الخبز الذي أصبح الحصول عليه أحد أهم أمنيات المواطن العربي نظرا للصعوبات الشديدة التي تواجهه أثناء محاولته "اصطياد" ولو رغيف واحد يسد به جوع أطفاله.. ولم تفرق هذه الأزمة ، وإن اختلفت شدتها، بين دول فقيرة وأخرى غنية، فالجميع أصبح أمام الطوابير سواء!.
أصبح من المألوف مشاهدة طوابير الخبز الطويلة أمام الأفران، وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا التكدس الشديد إلى اشتباكات دامية بين الواقفين أمام المخابز، راح ضحيتها العشرات، بالإضافة الى انتشار السرقة بين الطوابير المكتظة والتحرش بالنساء وما إلى ذلك من أمور تنذر بعواقب وخيمة، في حال استمرار هذه الأزمة والتي نشبت بعد الانخفاض الحاد في إنتاج القمح عالميا واتجاه بعض الدول إلى استخدامه في انتاج الوقود الحيوي، خاصة في الولايات المتحدة المنتج الرئيس للأقماح.
وتؤكد التقارير أن سكان الوطن العربي يستهلكون يوميا حوالي مليار رغيف وهو ما أدى إلى انفجار أزمة "طوابير الخبز" والتي باتت تهدد عروش الزعماء العرب بعد أن وصلت هذه الأزمة إلى طريق مسدود ووقفت بعض الحكومات العربية عاجزة أمام توفير لقمة العيش لمواطنيها وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور "توابع" التكدس الشديد أمام الأفران للفوز برغيف الخبز.
أزمة عربية
نبدأ من مصر، حيث تواجه كنانة الله في أرضه حاليا ومنذ عدة أشهر أزمة خبز طاحنة فشل الجميع في حلها على المستويين الرسمي والشعبي، وأن كانت كل المؤشرات تؤكد أن محافظات الجمهورية تتعرض لخطر داهم يهدد أمنها القومي من جراء تداعيات تلك الأزمة. فالناس في هذه الأيام ومنذ عدة أشهر ولاسيما في الأحياء الفقيرة والشعبية تقف في طوابير طويلة لساعات أحيانا أمام المخابز من أجل الحصول على عدة أرغفة مدعمة، وفشلت الخطط العاجلة التي وضعتها وزارة التضامن للتخفيف من تفاقم الأزمة وكان آخرها، الإعلان عن وضع خطة عاجلة لتوصيل الرغيف إلي المنازل واستخدام المجمعات الإستهلاكية في عملية التوزيع وهو ما لم يحدث حتي الآن.
وتأتي أزمة الخبز والتي اشتدت بالبلاد، في ظل أجواء اقتصادية تزداد خلالها البطالة بين الشباب، كما يزداد فيه التضخم بشكل يلتهم فيه كل زيادة في الأجور حيث تضاعفت أسعار السلع وخصوصا الغذائية منها خلال العامين الأخيرين بشكل جنوني، لدرجة أن المواطن المصري أصبح همه الأول والأخير البحث عن أي وسيلة لرفع مستواه المادي لتغطية زيادة نفقات أسرته في ظل الارتفاع المستمر للأسعار.ويشير تقرير للبنك الدولي نشر مؤخرا، إلى أن عدد الفقراء في مصر يقدر بـ 40% أي ما يقرب من نصف سكانه البالغ عددهم نحو80 مليون نسمة.
توابع المشكلة
في هذه الأثناء، ذكرت تقارير صحفية نشرت في صحيفة " الوفد" المعارضة أن القيادة السياسية المصرية تلقت تقارير عاجلة من أجهزة رفيعة المستوي خلال الأيام الماضية تحذر من كارثة الخبز. وطالبت التقارير باستبعاد الدكتور علي مصيلحي وزير التضامن بعد فشله في مواجهة أزمة الخبز.
وأظهرت التقارير التي عرضتها الجريدة فشل سياسة وزارة التضامن في السيطرة علي الأزمة بعد فشل عقود مصيلحي الجديدة مع أصحاب المخابز في وقف تهريب الدقيق. كما فشلت خطة فصل الانتاج عن التوزيع التي أعلن مجلس الوزراء بدء تطبيقها في مدينة حلوان ( 30كم جنوب العاصمة ) في القضاء علي طوابير الخبز حيث شهدت المنطقة مصرع 2 واصابة 7 أشخاص من الواقفين في طوابير أمام المخابز.
وأشارت المصادر إلي أن زيادة ظاهرة تسرب الدقيق من المخابز خلال الأيام الأخيرة بعد ارتفاع سعر الشيكارة زنة 100 كجم في السوق الحر إلي 100 جنيه مقابل 8 جنيهات للسعر المدعم. وأكدت المصادر لجريدة "الوفد" : "إن محاولات أجهزة وزارة التضامن لوقف عمليات تهريب الدقيق وصلت إلي طريق مسدود".
وشهد سعر طن القمح ارتفاعا وصل الي 2630 جنيهاً السبت الماضي بزيادة 130 جنيهاً خلا أسبوعين فقط. في الوقت نفسه توقفت شركات مطاحن قطاع الأعمال ومطاحن القطاع الخاص عن شراء القمح بعد اشتعال الأسعار من السوق المحلية والعالمية، ولجأت إلي استخدام رصيد المخزون لديهم والموجود بكميات كافية، حتى لا تبيع الدقيق بأسعار أقل من كلفتها الاقتصادية.
وحذرت المصادر من تصاعد كارثة طوابير الخبز خلال الأيام القادمة بسبب دخول فئة جديدة من المواطنين إلي شريحة الدعم وانضمامهم الي طوابير الخبز بعد ارتفاع سعر رغيف الخبز الحر إلي 50 قرشا والفينو إلي 30 و40 قرشا. وقالت المصادر إن الفئة الجديدة تمثل عبئا إضافياً علي الرغيف المدعم وهو ما يزيد الأمور تعقيدا.
شهداء الطوابير
في غضون ذلك، أطلق الشيخ يوسف البدري البرلماني السابق وعضو مجمع اللغة العربية والبحوث الإسلامية، فتوى أكد فيها إن الأشخاص الذين يسقطون قتلي في ساحات النضال أمام المخابز وأثناء وقوفهم في الطابور للحصول علي الخبز المدعم هم من الشهداء.
واستدل الداعية بالحديث النبوي الذي أشار فيه النبي محمد صلي الله عليه وسلم لأنواع الشهداء فقال من مات قتيلا ومن مات غريقاً ومن مات بذات البطن والمرأة تموت بدمع (أي في الولادة) .
جدير بالذكر أن آخر شهداء طابور الخبز سقط الأحد الماضي في احدي قري محافظة الشرقية ويبلغ عمره ستين عاماً. وكان فقيد الخبز قد نجح في شراء عدة أرغفة بجنيه واحد، وحينما سعي لتكرار المحاولة لقي حتفه تحت الأقدام . وكان أكثر من 50 مصريا قد لقوا مصرعهم في طوابير الخبز خلال الشهرين الماضيين.
وفي أحد أحياء القاهرة تمكن الأهالي الواقفون أمام طوابير الخبز من ضبط رجل تنكر في زي امرأة منقبة من أجل الحصول علي الخبز بسرعة حيث من المعروف أن طوابير النساء أخف وطأة من طوابير الرجال، فبينما يستغرق شراء عشرة أرغفة أربعة ساعات في طوابير النساء يستغرق الأمر سبعة ساعات في طوابير الرجال.
وتعتبر مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم حيث تستورد نحو 6 ملايين طن بما يعادل50% من احتياجاتها السنوية.
جه آخر في لبنان
وفي لبنان تتخذ أزمة الخبز منحى آخر بخلاف الأزمات السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عام واكبت أزمات أخرى مثل إنقطاع الكهرباء والمياه وارتفاع أسعار الوقود و البطالة . ويشكل الخبز عند 35 % من اللبنانيين سلعة رئيسية لغذائهم في الوقت الذي تتراجع فيه مداخيلهم بشكل خطير نتيجة تثبيت الحدّ الأدنى للأجور وازدياد الضرائب غير المباشرة والتضخم. وقد أدى كل ذلك إلى تراجع للقدرة الشرائية، يقدّرها خبراء الإقتصاد بحوالى 40% خلال السنوات العشر الأخيرة.
[size=12]ومؤخراً بلغ سعر الرغيف أقصى معدلاته إذ بلغ سعر ربطة الخبز (1500 جرام) أكثر من ألفي ليرة لبنانية في بعض الأفران، فيما عمد البعض الآخر إلى تخفيف وزنها إلى أقل من النصف ليبيعها بألف ليرة. وكشفت الأزمة عن تراوح الأوزان والأسعار بين فرن وآخر وبين محل وآخر. و تتفاوت نوعية الطحين المستخدم في صناعة الخبز ومشتقاته.
وأرجع محللون ارتفاع سعر الرغيف إلى ارتفاع سعر القمح عالمياً واحتكار بعض التجار للطحين مع غياب دور الدولة شبه التام عن المراقبة الفعلية على الأفران والمطاحن ومراقبة تسعيرة ربطة الخبز في أماكن بيعها بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء والمواد الأولية التي تُستعمَل في صنع الخبز وعدم تأمين الدعم اللازم للرغيف ولا لصانعيه ولا لمستهلكيه.
سوريا في الأزمة
رغم أن سوريا من البلاد العربية القليلة جدا والتي اكتفت ذاتيا من محصول القمح بل وبدأت في تصدير الفائض منه، إلا أن أزمة الخبز قد فرضت نفسها على بعض المدن السورية خلال الأسابيع الأخيرة. ففي مدينة حلب
شهدت جميع المخابز ازدحاماً غير مسبوق بعد قرار أصحاب المخابز السياحية رفع سعر الخبز السياحي وذلك رغم صدور قرار بزيادة مخصصات الدقيق.
وقال مدير التجارة الداخلية بحلب "محمد حنوش " لوكالة "لسيريا نيوز" إن الأزمة بدأت إثر ارتفاع سعر ربطة الخبز السياحي من 30 إلى 35 ليرة سورية، مما رفع الطلب على الخبز المدعوم ، وقد قمنا فور ظهور الأزمة بزيادة كميات الطحين الموزعة يومياً 14 طناً بواقع 6.5 طن للمدينة و 7,5 طن للريف " ، وتحولت الأفران إلى بيئة مواتية للنشالين، وتساءل أحد المواطنين: "لماذا ننتظر أكثر من ساعة للحصول على خبز يومنا؟. وأضاف: لم يعد بمقدوري أن أحصل على الخبز بشكل يسير قبل الذهاب إلى عملي، أنا أشتري خبزاً لثلاثة أيام كي أتجنب التأخر عن دوامي، عندما انتظر ساعتين أحياناً".
وقالت إمرأة طلبت عدم نشر اسمها :" للأسف لا يوجد احترام للمرأة في هذا المكان، نحن نتحمل مضايقات كثيرة في هذا الجو معظم الأفران لا تخصص فتحة لبيع الخبز للنساء، لكن مع الازدحام لم يعد أحد يرى المرأة أمامه، ولو كانت مسنة،أو تحمل طفلاً ،وبعضهم يستغل الازدحام للتحرش".[/b]
ظاهرة جديدة بالسعودية
أزمة الخبز انتقلت للسعودية والتي تنعم أيضا بالاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الاستراتيجي، حيث بدأت تنتشر "عدوى" الطوابير أمام المخابز في عدة مدن بالمملكة جراء تقليص بعض المخابز إنتاجها من الخبز وإغلاق البعض الآخر أبوابه على خلفية ما بات يعرف بـ"أزمة الدقيق".
فقد قرر عدد من أصحاب المخابز تصغير حجم رغيف الخبز إلى النصف متعللين بعدم وجود دقيق بالسوق وارتفاع سعره بطريقة غير مبررة. وألقى مواطنون ومقيمون المسؤولية على الموزعين والمتعهدين، بهدف رفع سعر الدقيق إلى مستويات عالية الأمر الذي لا يتيح لأصحاب بعض المخابز والأفران شراءه مما يهدد بنشوء سوق سوداء لبيع الدقيق.
وانتقلت الأزمة من جنوب المملكة إلى غربها خلال الأيام الماضية، ففي الطائف والمراكز التابعة لها أصبح هم المواطن الأول هو الحصول على رغيف خبز لأولاده في ظل تقليص عدد من المخابز كمية الإنتاج وزيادة السعر حيث أصبح سعر الرغيف الآن ريالاً. فيما قامت بعض المخابز بوضع لافتات تقول (نعتذر لعدم توفر الخبز).[size=16][b]الدعم في الجزائر
نذهب للجزائر، ورغم تأكيدات الحكومة هناك أنّها ستستمر في دعم الخبز وأن سعره لن يتغير، بسبب استمرار دعمها لسعر القمح الذي يستخدم في إنتاج الطحين، إلاّ أنّ "الخبازين" أوقفوا نشاطاتهم في عموم المحافظات، وأغلقوا المخابز، متذرعين بندرة مادة القمح اللين، وارتفاع أسعاره.
ونجم عن أزمة الخبز هذه، ارتفاع أسعار الخبز والقمح في السوق السوداء، حيث تعدى ثمنها 190 ألف دينار إلى 220 ألف دج للقنطار الواحد، ما ينذر بأكثر احتدام وسخونة خلال الفترة القادمة.
وفي موقف سيزيد من حجم الاحتقان، أعلن وزير التجارة الجزائري "الهاشمي جعبوب" إنّ حكومة بلاده ستغلق كل المخابز التي ستلجأ إلى رفع أسعار الخبز، متوعدا أيضا بغلق كل المطاحن التي سترفع أسعار "القمح".
انتفاضة الخبز بالمغرب
المغرب أيضا كان على موعد مع الأزمة، بعد إعلان الحكومة المغربية عن رفع الدعم عن الدقيق بنهاية شهر يناير، وهو ما رد عليه مهنيو قطاع المخابز بالتهديد برفع ثمن الخبز مما يهدد بتكرار سيناريو انتفاضة الخبز بمدينة صفرو في شهر أكتوبر الماضي.
[size=12]وكانت "انتفاضة الخبز" التي اندلعت في مدينة صفرو بعدما دعت "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" إلي وقفة احتجاجية ضد ارتفاع الأسعار بوسط المدينة، قد أدت إلى إصابة 126 من قوات الأمن المغربي، وعشرين مصابا في صفوف المحتجين، كما تم إحراق سيارة مقدم الحي وجرافة ضخمة لإزالة الحواجز الترابية التي أقامها المتظاهرون، في حين وصل عدد المعتقلين إلي 35 معتقلا.
وتدخلت الحكومة المغربية مؤقتا للحيلولة دون زيادة أسعار الخبز، وأعلنت عن دعم أسعار الدقيق، في الفترة ما بين 21 سبتمبر و31 ديسمبر 2007، بسبب ارتفاع أسعار القمح علي المستوي العالمي، وانخفاض إنتاجه محليا بسبب موجات الجفاف التي توالت علي المغرب خلال السنوات الماضية.
هياج في اليمن
وفي اليمن حيث تفاقمت أزمة رغيف الخبز بعد قرار الحكومة اليمنية زيادة سعره بنسبة 100% في العاصمة صنعاء، ابتداء من أمس الاثنين، وتركت قرار نسبة زيادة الأسعار في بقية المدن للمسئولين المحليين والمحافظين.وجاء ذلك في خطوة اعتبرها محدودو الدخل بأنها "الضربة القاضية" عليهم، حيث أصبح الراتب الشهري للموظفين الحكوميين لا يفي بقيمة رغيف الخبز نفسه، خاصة وأن هذه الخطوة تأتي قبيل تدشين الحكومة لجرعة جديدة في زيادة أسعار المواد الأساسية في البلاد.
[size=12]وبدأت المخابر اليمنية في العاصمة أمس برفع سعر رغيف الخبز من 10 ريالات إلي 20 ريالا للرغيف الواحد، ووفقا لما ورد بجريدة "القدس العربى" الفلسطينية، ذكرت وزارة الصناعة والتجارة اليمنية أن قرار الحكومة الخاص بالتسعيرة الجديدة للرغيف يخص العاصمة صنعاء بينما يحدد كل محافظ محافظة بالتعاون مع المجلس المحلي التسعيرة الخاصة التي تتناسب مع الظروف المعيشية للمحافظة .
وأحدث هذا القرار ردود أفعال قوية لدي الشارع اليمني، فيما لزمت الأحزاب المعارضة الصمت، تحت ضغط السلطة، ما عدا بعض ردود الأفعال المحدودة هنا أو هناك، تفاديا لهيجان الشارع الذي قد يأكل الأخضر واليابس، فيما لو تحرك عفويا علي حد تعبير أحد المراقبين.
ووصف العديد من اليمنيين ارتفاع سعر رغيف الخبز إلي 20 ريالا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمنيون وإلي جانب انخفاض مستوي الأجور بأنه حكم بالإعدام عليهم، خاصة أن الراتب الشهري للموظف الحكومي المحترم لا يتجاوز 30 ألف ريال "حوالي 150 دولارا"، في حين أن كلفة رغيف الخبز لأسرة متوسطة العدد في ظل التسعيرة الجديدة تتجاوز هذا الراتب الهزيل.