في أوائل الستينات افترضت وزاره الدفاع الأمريكية وقوع كارثة نووية ووضعت التصورات لما قد ينتج عن تأثير تلك الكارثة على الفعاليات المختلفة للجيش، وخاصة فعاليات مجال الاتصالات الذي هو القاسم المشترك الأساسي الموجه والمحرك لكل الأعمال.
كلفت الوزارة مجموعه من الباحثين لدراسة مهمة إيجاد شبكه اتصالات تستطيع أن تستمر في الوجود حتى في حاله هجوم نووي، وللتأكد بأن الاتصالات الحربية يمكن استمرارها في حاله حدوث أي حرب.
وأتت الفكرة وكانت غاية في الجرأة والبساطة، وهو أن يتم تكوين شبكه اتصالات Network ليس لها مركز تحكم رئيسي، فإذا ما دمرت أحدها أو حتى دمرت مائه من أطرافها فان على هذا النظام أن يستمر في العمل. وفي الأساس فان هذه الشبكة المراد تصميمها كانت للاستعمالات الحربية فقط. في ذلك الوقت لم يكن أي نوع من الشبكات Networks قد بنيت على الإطلاق ولهذا فان الباحثين تركوا لخيالهم… وأسسوا شبكه أطلق عليها اسم شبكه وكالة مشروع الأبحاث المتقدمة Advanced Research Projects Agency Network (ARPANET) وذلك كمشروع خاص لوزارة الدفاع الأمريكية، وكانت هذه الشبكة بدائية وتتكون من أربعه كمبيوترات مرتبطة ببعضها بواسطة توصيلات التلفون في مراكز أبحاث تابعه لجامعات أمريكية. لقد جعلت الوزارة هذه الشبكة ميسره للجامعات ومراكز الأبحاث والمنظمات العلمية الأخرى ولأجراء الأبحاث من اجل دراسة إمكانيات تطويرها، ونتيجة لهذا الوضع فان ARPANET قد نمت بشكل ملحوظ، والشبكة التي كانت بسيطة تحولت إلى نظام اتصالات فعال.
السنوات التي تلت جاءت معها بتغييرات كثيرة، وفي ذلك الوقت فان الوصول للشبكة كان قاصرا على الجيش والجامعات والباحثين، ونتيجة لهذا الوضع فلقد أصبحت ARPANET عبارة عن شبكه تتكون من شبكات ذات مفاتيح وأطراف متعددة، وترسل المعلومات فيها باستخدام تقنية تفتيتها إلى مجموعات Packets اصغر، تتحرك بحريه واستقلالية من طرف إلى أخر لتصل إلى مبتغيها.
كان هذا المشروع غير معروف حتى سنه 1980 حين تم إظهاره للضوء، ومنذ ذلك الحين فان التغييرات أصبحت تحدث بسرعة كبيره واستمر هذا النظام في الاتساع.
ما بين سنه 1982و1985 كانت ولادة الانترنيت فلقد انقسمت ARPANET سنه 1983 إلى قسمين ARPANET و MILNET واستخدمت الأولى في جهود الأبحاث المدنية أما MILNET فاحتفظ بها للاستخدامات العسكرية.
منذ سنه 1980 فان شبكات جديده عديدة تكونت لخدمه بعض الفئات والمنظمات …إحدى هذه الشبكات كانت للمجتمعات الأكاديمية، وأخرى لمنظمات أبحاث الكمبيوتر حيث وصلت الباحثين بعضهم ببعض ليتشاركوا في المعلومات.
في سنه 1986 فان مؤسسه العلوم الوطنية National Science Foundation شبكت الباحثين بعضهم ببعض في كافه أنحاء الولايات المتحدة من خلال خمسه كمبيوترات عملاقة، وسميت هذه الشبكة باسم NSFNET. لقد تكونت هذه الشبكة من مراكز لخطوط الإرسال المتكونة من الألياف الضوئية ومن الأسلاك العادية، وبمساعده الاتصالات عبر الأقمار الصناعية والموجات الدقيقة Microwave وذلك كي تحمل كميات هائلة من المعلومات التي تتحرك سريعا جدا ولمسافات بعيده… إن هذه الشبكة NSFNET كونت العمود الفقري للبنية التحتية للانترنيت وخاصة بعد أن رفعت الحكومة الأمريكية يدها عنها.
بدأت تقديم خدمه الانترنيت للناس عمليا في سنه 1985 وكان عدد المشتركين يتزايد بشكل كبير واصبح الانترنيت الآن وكما هو جلي اكبر شبكه في تاريخ البشرية.
الانترنيت يعتبر حقيقة أحد الظواهر… ولربما يعتبر انه اكثر التطورات التي حدثت في وسائل الاتصالات البشرية بعد اختراع التلفون.
لا تحاول البحث عن المركز الرئيسي للانترنيت في أي مدينه بل وفي أي مكان في العالم لسبب بسيط هو أن الانترنيت ليس له إدارة أو مركز رئيسي على الإطلاق. ويبدو أن ذلك غير مقنع لكثير من الناس ولكن الحقيقة أنه لا توجد إدارة مركزية للإنترنت وبدلا من ذلك فإنه يدار من تشكيلة من آلاف شبكات الكمبيوتر التابعة للشركات والأفراد كل منهم يقوم بتشغيل جزء منه كما يدفع تكاليف ذلك. وكل شبكة تتعاون مع الأخرى لتوجيه حركة مرور المعلومات حتى تصل لكل منهم وبمجموع هؤلاء تتكون الشبكة العالمية ولهذا لا يملك أحد الانترنيت... هناك ملايين خلف هذه الشبكة يتشاركون في مكوناتها، وهؤلاء سواء كانوا أفرادا أو منظمات أو شركات غير مستقرين في الغالب، ودائما يقومون بالتغيير بل ويتبدلون أنفسهم ولكنهم دائما في نمو وتزايد دائم كل لحظه... وهناك مواقع تضاف دائما ومواقع تتغير عناوينها أو تندثر.
أن نظام الإنترنت أو ما يسمى بروتوكول الإنترنت Internet Protocol تعتبر ملكيته عامه ويحظى بدعم من كل الشركات الصانعة للأجهزة المستخدمة في الإنترنت، ونتج عن هذا الدعم نمو هائل لهذه الشركات، ويسير هذا النمو متوازيا مع السرعة الكبيرة في نمو الإنترنت.
إن من أهم صفات الإنترنت أنه نظام مفتوح، وهذا يعني أنه يقبل أي نوع من أجهزة الكمبيوتر سواء كان منها ما يسمى غير المتلائم Incompatible مثل كمبيوترات ابيل ماكينتوش Apple Macintosh أو الأميجا Amiga أو الأجهزة المتلائمة مع كمبيوتر أي بي إم Compatible IBM. وكذلك يمكن استخدام الكمبيوتر النقال Laptop بوصله بالتلفون النقال Mobile phone، وفي القريب سيكون استقبال الإنترنت عن طريق التلفزيون أيضا وذلك باستخدام جهاز محول خاص Decoder يمكن وضعه فوق التلفزيون أو أن بإدماج لوحة محول بيني إليكتروني مع إليكترونيات التلفزيون الداخلية.
أن افضل تعريف للانترنيت وابسطه هو أنه اكبر شبكه كمبيوتر في العالم، ففي سنه 1997 قدرت شبكه الانترنيت بأنها مكونه مما لا يقل عن ست عشر مليون مشترك، بينما قبلها بعام واحد فإن العدد لم يزيد عن خمسه ملايين، أما سنه 1998 فلقد تخطت أعداد الكمبيوتر المشتركة عدد الخمسين مليون. وساهمت السرعة الكبيرة في انخفاض أسعار أجهزه الكمبيوتر والعدد الكبير المتزايد من الذين يزودون خدمه الإنترنت في الارتفاع المتواصل والمستمر في أعداد المشتركين. إن كل ما يحتاجه المشترك هو أن يكون جهازه مزودا بقطعه المودم، وهي أداه إلكترونية تجعل الكمبيوتر قادرا على التعامل مع خط التلفون.
لقد ساهم في سرعة نمو الإنترنت قدرته على أن يصل شبكات مختلفة التكوين والمصادر مما أعطى المستخدمين الحرية في اختيار الأجهزة وبدون قيود.
الانترنت من ناحية واقعية عبارة عن شبكه تتكون من آلاف الشبكات الصغيرة المنتشرة في أنحاء العالم ولكن ماذا يفعل الناس في حقيقة الأمر على الانترنيت؟
الجواب انهم يتبادلون الرسائل من خلال هذه الأجهزة الإلكترونية فيما يسمى بالبريد الإلكتروني e-mail… لقد اصبح الإنترنت وبسرعة جهاز البريد الحقيقي للعالم كله… إن مستخدمي الإنترنت يستطيعون تبادل البريد إلكترونياً وبتكلفه وسرعة افضل بكثير من البريد التقليدي. كما انهم يتشاركون في مجموعات تتناقش فيما بينها وتعرف باسم مجموعات الأخبار كما يتبادلون الأحاديث ويطالعون المعلومات التي يرسلها البعض أو المؤسسات المختلفة وهي معلومات متنوعة تنوع البشر واهتماماتهم … يمكنك أن تقرأ الصحف والمجلات وتطالع المحاضرات وتتصفح خرائط وتعرف أخبار الطقس وتحصل على نصائح لرحلتك أو أخبار الرياضة أو تشتري بضاعة أو تستمع للموسيقي أو ترى فيلما أو أي شئ يخطر على بالك أو لا يخطر. إن الاتصالات والأعمال التجارية عبر الإنترنت ستكون اعظم الأحداث المميزة التي ستأخذنا للقرن القادم والألفية الثالثة.
إن الإنترنت ينظر إليه الآن بأنه وسيله التفاهم العامة التي تعطيك ما تريد مشاهدته أو قراءته بدون أن يفرض عليك كما في الوسائل الأخرى. إن المعلومات المذكورة تلك وغيرها تأتي من كل مكان … وليس الأمر في الإنترنت قاصراً على تلقي الفرد هذه المعلومات بل بإمكانه أن يرسل المعلومات التي يريدها كي يطلع عليها من يرغب في جميع أنحاء المعمورة، فهو وسيله اتصال بين جهتين، وبالتالي فإن كل مستخدم للإنترنت يمكن أن يكون مصدرا للمعلومات كما يمكن أن يكون مستقبلاً لها أيضا.
الإنترنت يعتبر اكبر مكتبه معلومات في العالم على الإطلاق … هذا وبينما كان الإنترنت في بداية الأمر حصرا على الجامعات ومراكز الأبحاث والوكالات الحكومية فإن الإنترنت قد تحرك خارجا للجماهير في كل مكان، وساعد في ذلك انتشار شبكات الاشتراك المجانية بالإنترنت وخدمات المعلومات على الخط والتي أصبحت ميسرة للأفراد.
إن المعلومات الهائلة والمتنوعة التي نشأت عن العمليات التقنية التي ربطت آلاف الشبكات ببعضها كونت فضاءاً يظهر على شاشات الكمبيوتر وكأنه عالما حقيقيا يشابه عالمنا الواقعي الذي نعيش به وهذا العالم يسمى Cyberspace "سايبر سبيس" وهو ذو أبعاد مدهشة وغير عاديه، انه مصدر عالمي ذو قيمه هائلة من المعلومات المتآلفة.[